دأيمن محجوب عبد الله محمد يكتب.. الإنسان كثير اللوم للآخرين: مرآة الذات المكسورة
دأيمن محجوب عبد الله محمد يكتب.. الإنسان كثير اللوم للآخرين: مرآة الذات المكسورة

دأيمن محجوب عبد الله محمد يكتب.. الإنسان كثير اللوم للآخرين: مرآة الذات المكسورة
في زحام الحياة وصخبها، نلتقي بأناس لا يرون من العالم سوى أخطاء الآخرين، ولا يجدون في حياتهم ما يستحق المساءلة سوى تصرفات من حولهم. أولئك هم الناس كثيرو اللوم؛ يوزعون الاتهامات كما يوزع الشتاء برده، بلا رحمة، وبلا توقف. اللوم عندهم عادة، بل ملاذ يهربون إليه كلما ضاقت بهم الحياة، وكأنهم بذلك يخففون عن أنفسهم ثقل المسؤولية.
لكن، لِمَ يلوم الإنسان غيره باستمرار؟ هل حقًا كل من حوله مخطئون؟ أم أن الحقيقة تكمن في أعماقه هو؟ اللوم المتكرر لا يدل على وعي، بل على أزمة داخلية لم تُحلّ. إنه صرخة داخلية تقول: “أنا غير قادر على فهم نفسي، فدعوني أُدينكم جميعًا.”
اللوم… درع الجبناء
اللوم المتكرر ليس إلا درعًا يحتمي به الخائفون من المواجهة. مواجهة النفس تحتاج إلى شجاعة، إلى وقفة مع الذات فيها صدق، وفيها اعتراف. أما اللائم للناس على الدوام، فهو هارب. لا يود أن يرى ضعفه، فيُسقطه على الآخرين. لا يريد أن يعترف بفشله، فينسبه إلى الظروف، أو إلى أقرب الناس إليه. يقول: “لو أن فلانًا لم يفعل…”، ويغفل عن السؤال الأهم: “وماذا فعلتُ أنا؟”
المرآة المكسورة:
الإنسان كثير اللوم يشبه من ينظر إلى نفسه في مرآة مكسورة؛ يرى وجهه مشوّهًا، فيظن أن العيب ليس في المرآة، بل في العالم من حوله. لا يدرك أن عليه أولًا أن يُصلح هذه المرآة، أن يعيد ترتيب داخله، أن يُنصت إلى صوته الحقيقي، لا صدى الشكاوى والاتهامات.
أثره على العلاقات:
اللائم الدائم يُتعب من حوله، يفسد العلاقات، ويفرّق الأحباب. لا أحد يحب أن يعيش في سجن الاتهامات، ولا أحد يستحق أن يُحاكم كل يوم دون دليل. ومع مرور الوقت، يتحول هذا الشخص إلى مصدر للطاقة السلبية، تهرب منه الأرواح الطيبة، وتبقى حوله دائرة من التوتر والانفعالات.
دواء اللوم:
دواء اللوم هو الوعي الذاتي. أن يتعلّم الإنسان أن يُسائل نفسه أولًا، قبل أن يرفع إصبعه نحو غيره. أن يدرك أن الخطأ جزء من الحياة، وأن الجميع يخطئون، بمن فيهم هو. أن يتحلى بالتواضع، وأن يتذكر أن الكبار لا يلومون، بل يتعلمون ويُصلحون.
دواؤه أن يتدرب على الامتنان بدل الشكوى، وعلى المسؤولية بدل التبرير. أن يسأل نفسه كل صباح: “كيف يمكنني أن أكون أفضل؟”، بدل أن يسأل: “من الذي أخطأ في حقي اليوم؟”
خاتمة: اللوم لا يصنع رجلاً، بل يُضعف إنسانًا
في النهاية، اعلم أن اللوم لا يُصلح شيئًا، بل يؤجل الإصلاح، ويُغلق الأبواب أمام التغيير الحقيقي. كفّ عن محاكمة الناس، وابدأ بمحاكمة نفسك. حينها فقط ستبدأ رحلتك نحو السلام الداخلي. فالعظماء لا يلومون، بل يفهمون، ويغفرون، ويصنعون الفارق.