مقالات

علي محمد طاهر علام يكتب.. خطاب الكراهية ومهددات السلم المجتمعي(3) .. آليات المواجهة والتفكيك

علي محمد طاهر علام يكتب.. خطاب الكراهية ومهددات السلم المجتمعي(3) .. آليات المواجهة والتفكيك

علي محمد طاهر علام يكتب.. خطاب الكراهية ومهددات السلم المجتمعي(3) .. آليات المواجهة والتفكيك

تطرقنا في مقالين سابقين للمخاطر الجسيمة والمآلات الوخيمة لإستشراء خطاب الكراهية في المجتمع السوداني، ودوره البارز في إحداث الانقسامات وإشعال الحروب في البلاد، وغطي المقال الاول النظرة العامة لفداحة انتشار خطاب الكراهية بينما تناول المقال الثاني بصورة اكثر عمقا مظاهر وسمات خطاب الكراهية وآثار انتشاره علي المجتمع والدولة. ونستعرض في مقالنا اليوم آليات مواجهة وتفكيك خطاب الكراهية.
لابد من الاشارة هنا لأهمية وضرورة تفاعل ومشاركة كل اركان المجتمع السوداني افراداً وجماعاتٍ ومؤسسات في المواجهة المباشرة والمستمرة لأنماط ومظاهر خطاب الكراهية، هذا الخطر الداهم الذي يهدد وحدة الدولة ووجودها.

ثالثا: آليات مواجهة وتفكيك خطاب الكراهية وتعزيز السلم المجتمعي:
▪️المواجهة الفعَّالة لخطاب الكراهية:
لابد من الانخراط الفوري الآني وبمشاركة كل افراد المجتمع في عملية التصدي المباشر والإعتراض اليومي لكل مظاهر وسمات خطاب الكراهية بطرق متعددة واساليب مختلفة، كما وتفعيل المحاكمات المجتمعية مثل: المقاطعة الاجتماعية أو العزل الرمزي أو سحب الشرعية الاخلاقية لكل من يمارس التنمر والسخرية وتحقير الآخرين يعد جبهة مقاومة مؤثرة لتجفيف منظومة الكراهية. ويتم تفعيل هذه الآلية بالتذكير المستمر عبر كل المنابر ومواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الرسمي والشعبي لضمان فعاليتها وتأثيرها القوي في محاصرة وإستئصال خطاب الكراهية.
▪️إعادة صياغة الهوية الوطنية:
يجب الايمان بضرورة الخروج من منطق “من هو الأكثر سودانية؟” إلى بناء هوية جامعة تشمل الجميع وتعترف بتكامل الادوار لكل المكونات المجتمعية في تشكيل الهوية الوطنية وتقوم على اسس العدالة والتعددية.
▪️توعية الرموز الدينية والوعاظ بأهمية لعب ادواراً مؤثرة في اسقاط الشرعية عن الأصوات المتطرفة واسكات كل من يستخدم الدين للسخرية والاستهزاء والتحريض، وضرورة تبني ودعم اللغة الجامعة والخطاب الايجابي، واشراكهم  في محاربة الكراهية لأنها لا تمثل الله ولا الوطن ولا الانسانية. توجيه نفوذ وتأثير القيادات المجتمعية والقبلية نحو التهدئة والتوفيق والبناء نحو السلم المجتمعي بدلاً من التحشيد والتحريض.
▪️تعزيز دور الاسرة:
يجب الانتقال من اساليب التربية التقليدية الموبوءة بالعنف اللفظي والجسدي أو تلك التي ترتكز علي زرع قيم المفاضلة والمقارنة لدي الابناء، وغيرها من الاساليب التي تنمي الاستعلاء واستهجان الآخر الي التربية الموجهة نحو الكرامة الإنسانية واحترام الآخر وقيم التسامح والتعاون والمشاركة.
▪️تمكين المجتمع المدني:
دعم منظمات المجتمع المدني والجمعيات في مشاريع المصالحة المجتمعية والتكافل الاجتماعي وتعزيز دورها في التوعية بمخاطر خطاب الكراهية، خاصة في المناطق المتأثرة بالنزاعات.
▪️إصلاح الخطاب الإعلامي:
  بمبادرة من الإعلاميين الوطنيين الغيورين ضرورة عقد وتأسيس ميثاق وطني للإعلام يمنع التحريض، ويشجع الإعلام الأخلاقي النبيل، ويُجرِّم من ينشر الكراهية. كما ويساهم في تفعيل ونشر كل الآليات التي تعمل علي مكافحة خطاب الكراهية.
▪️التعليم كأداة للسلام والتعايش:
يجب مراجعة المناهج التعليمية والتربوية ووضع مناهج وفق خطط استراتيجية طويلة الأمد تعمل علي ترسيخ قيم المواطنة الصالحة، والتنوع، وقبول الآخر، بدلاً من تعميق الصور النمطية الشائهة المورثة عن الآخر.
▪️دور الثقافة والفنون في بناء الحس الوطني ومقاومة خطاب الكراهية:
في مواجهة انتشار خطاب الكراهية والانقسام تظل الفنون جبهة مواجهة ناعمة لكنها بالغة التأثير، فالاغنية والمسرح والدراما والشعر والرسم وغيرها ليست ادوات ترفيه فقط، بل هي اسلحة ثقافية قوية يجب استخدامها لتفكيك خطاب الكراهية واعادة تشكيل الوعي الجمعي لتعزيز خطاب التعدد والقبول والسلام.
ومن جانب آخر لابد من تصميم كتيب الذاكرة التاريخية لخطاب الكراهية(الذاكرة الجريحة.. حتي لاننسي)، بحيث يوثق الكتيب لكل انماط ومظاهر خطابات الكراهية التاريخية والمعاصرة في السودان، يهدف الي بناء وعي وقائي وتأسيس ذاكرة مجتمعية يقظة، تُحصِّن الوعي الجمعي من أي تكرار أو ارتداد، وتساعد علي التعافي المطلوب،
▪️العدالة الانتقالية والمحاسبة:
الإتفاق والتشجيع علي ثقافة الإعتراف وقول الحقيقة والإعتزار، والتأمين علي تفكيك ثقافة الإفلات من العقاب، ومحاسبة كل من يتورط في نشر الكراهية بين الناس كائن من كان.
▪️تأسيس ميثاق السلم المجتمعي:
اقامة وانشاء المنابر المجتمعية داخل المدن والارياف والقري لتفعيل دور الحوار المجتمعي في التعارف وتكريم الآخر، وتعزيز الروابط والمشتركات بين كل هذه المكونات المجتمعية، ومن ثم انتخاب سفراء السلم المجتمعي لتوثيق وتشجيع ونشر الأعراف السودانية النبيلة التي تدعو الي التسامح والتماسك والتعاون، وتعمل علي تفكيك روافع الفرقة والخلاف.
▪️سن القوانين والتشريعات المناهضة للعنف:
لابد من وضع وتشريع القوانين التي تمنع مظاهر الاستعلاء والتحقير العرقي وتجرم خطاب الكراهية وكل مظاهر العنصرية، وتحمي المجتمع من العنف والإعتداء.

     خطاب الكراهية في السودان لم يعد مجرد ظاهرة اجتماعية بل هو خطر يهدد وجود الدولة ووحدتها وإستقرارها، فلذلك مواجهته تتطلب جهدا كبيرا وشاملا يبدأ بالصلاح الفردي والاصلاح المجتمعي والسياسي، اصلاحا يؤكد ويعزز ضرورة التعايش السلمي وينمي قيم الانتماء ويشحذ همم البناء المشترك وإلا سيظل السودان عالقاً في دوَّامة العنف ومتاهة الانقسام والإنزلاق الي منحدر الإنهيار.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. علينا قبل ذلك أن ننبذ العنصرية والجهوية والقبلية وان تكون الدولة للجميع بدون اقصاء لأي أحد فالناس سواسية امام دستور الدولة لافرق بين ابيض ولا اسود ولا بين فقير وغني ولا بين قبيلة واخرى.
    اذا تم تطبيق العدالة بين جميع أفراد المجتمع يحاسب المسئول قبل المواطن البسيط .
    هذه بعض من لظهور خطاب الكراهية في السودان منذ اندلاع الحرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى