الصادق إسماعيل علي يكتب.. نَكْزة : الحرب بين التدمير وإعادة التشكيل
الصادق إسماعيل علي يكتب.. نَكْزة : الحرب بين التدمير وإعادة التشكيل

الصادق إسماعيل علي يكتب.. نَكْزة : الحرب بين التدمير وإعادة التشكيل
* الحروب، عبر التاريخ، غالبًا ما تأتي على جزءٍ مقدّرٍ من مقدرات الشعوب المادية، وتترك بصماتها العميقة على نسيجها الاجتماعي، وعلاقاتها الداخلية والخارجية، وقيمها وأخلاقها، وسيادة أراضيها وحرية شعوبها. وحرب السودان اليوم، وقد بلغت عامها الثاني، ليست استثناءً؛ فقد حفرت – ولا تزال تحفر – جروحًا غائرة ومشوّهة في كافة مناحي الحياة، بلا استثناء.
* لكن هذه الحرب، مثل غيرها من الحروب الكبرى التي خاضتها البشرية، قد تكون في الوقت نفسه لحظة فارقة في إعادة تشكيل الأمة السودانية، استجابةً لتحديات الواقع القاسي. فكثير من الشعوب خرجت من محن الحروب أكثر تماسُكًا، وأكثر وعيًا بذاتها، وأشدّ قدرة على مواجهة التحديات والانطلاق نحو مستقبلٍ أكثر وضوحًا. فهل تنشب الحروب أحيانًا فقط لتعيد تشكيل الشعوب والأمم؟
* السودانيون نسيج متداخل من أعراق وقبائل وثقافات ولغات، وهم نتاج لحضارات قديمة وتفاعلات شعوبية ممتدة عبر التاريخ. ورغم أن ما يجمعهم اليوم أكثر مما يفرقهم، إلا أن السودان لا يزال بحاجة إلى مزيد من الانصهار ليصبح أمة واحدة موحدة، بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
* على مدار التاريخ، ظلت هناك عوامل عديدة تؤثر على هذا التشكيل؛ من الصراعات حول قسمة السلطة والثروة، إلى التدخلات الخارجية، إلى انعدام الثقة بين المكونات الاجتماعية. وقد انعكس ذلك في موجات متكررة من الحروب، غالبًا على أطراف البلاد، لكن هذه الحرب الأخيرة كانت مختلفة؛ فقد انطلقت من المركز نفسه، ثم امتدت نارها إلى الأطراف، مما جعلها تمسّ الجميع بلا استثناء.
* رغم كل الدمار الذي خلّفته هذه الحرب، يبدو واضحًا أنها أفرزت وعيًا جديدًا بالهوية السودانية، يتجاوز القبيلة والجهوية، ويؤسس لمشتركات وطنية أعمق. فقد ظهرت قيم التضامن والتكاتف الشعبي في مواجهة المحنة، وبدأ كثيرون يدركون حجم التحديات الوجودية التي تهددهم، والوسائل التي يمكنهم اعتمادها لمواجهتها.
* هذا الإدراك الجديد قد يكون اللبنة الأولى في بناء ثقة متجددة بين المكونات السودانية، تمهيدًا لتأسيس أمة واحدة متماسكة، لا تُفرّقها الانتماءات الضيقة، ولا تُمزّقها الصراعات العبثية.
* إن الشعب السوداني قادر على تحويل هذه المحنة إلى فرصة تاريخية، يتجاوز بها كل مشكلاته المزمنة. وقد برزت ملامح ذلك بالفعل، من خلال تدافع أبناء السودان للدفاع عن بلادهم، وتبنّي خطاب وطني جامع يتجاوز الانقسامات، ويؤسس لأرضية جديدة لبناء مستقبل مشترك.
* إذا استطاع السودانيون استثمار هذه اللحظة، فقد تكون هذه الحرب – رغم قسوتها – هي نقطة التحوّل نحو أمة سودانية موحدة، تُحقق العدالة الاجتماعية، وتُعيد بناء الوطن على أسس جديدة، يُشارك فيها الجميع بحقوق متساوية وواجبات مشتركة.
* التاريخ يُخبرنا أن الشعوب التي تعلّمت من محنها، واستوعبت دروسها، خرجت أقوى وأقدر على تشكيل مستقبلها. فهل تكون هذه الحرب لحظة ميلاد جديد للأمة السودانية؟ هذا هو التحدي الأكبر الذي ينتظر الجميع.
دمتم سآلمين آمنين تآمين لآمين